تاريخ الحجامة
المصريون القدماء
دعنا نعود بعيدًا إلى الوراء إلى أكثر من خمسة آلاف عام عندما بدأت ممارسة الحجامة وتطورت منذ هذا التاريخ؛ لقد بدأت الحجامة في مصر القديمة وفى الشرق في الصين وفي الغرب، ولكن أقدم كتاب طبي في التاريخ والذي يعود تاريخه إلى عام 1500 قبل الميلاد وهو بردية إيبور قد ذكرت الحجامة، مما يرجح أن نشأتها كانت في مصر القديمة؛ كما أن أدواتها قد نقشت على المعابد المصرية القديمة.
وقد كتب في بردية إيبور أن الحجامة تستطيع التخلص من الشوائب الغريبة داخل الجسم، والحقيقة أن المصريين القدماء قد وصفوا الحجامة لأغلب الأمراض، وعلموها للحضارات الأخرى مثل الحضارة اليونانية.
الصينيون القدماء
وإذا ذهبنا إلى الشرق الأقصى وتحديدًا إلى الصين، وتتبعنا تاريخ الحجامة هناك، فإن تاريخها يعود أيضًا إلى آلاف السنين، حيث أن الطب الصيني القديم هو واحد من أقدم النظم الطبية في التاريخ، وقد شمل العديد من العلاجات منها العلاج بالإبر، والعلاج بالأعشاب، والعلاج بالموكسا، والتدليك. وقد كانت الحجامة تمثل أحد الأركان الأساسية من الطب الصيني، وهي تستخدم لإثارة نقاط الإبر الصينية، ولزيادة الدورة الدموية، والتغلب على ركود طاقة الحياة المسماة (تشى) في الطب الصيني القديم، والتي يعتقدون أنها تسير في خطوط للطاقة، وهناك خريطة كاملة للنقاط ولهذه الخطوط.
أقدم الكتب الصينية الذي يصف الحجامة كتب (جي هونج) وقد كانت في القرن الثالث الميلادي (281-341 م)، وجاء بعده بعقود كتاب أخر يسجل نجاح استخدام الحجامة في علاج لسعال المزمن، ولدغات الثعابين.
وفى الخمسينيات من هذا القرن، تم تأكيد تأثير الحجامة والعلاج بالكؤوس من خلال أبحاث علمية طبية تمت بمشاركة علماء من الصين وعلماء من الاتحاد السوفيتي، ومن هذا التاريخ أصبحت الحجامة والعلاج بالكؤوس موجودة وتمارس في كل مستشفيات الصين.
الحضارة اليونانية
نعود مرة أخرى إلى المصريين القدماء حيث قاموا بتعليم اليونانيين القدماء طريقة الحجامة والعلاج بالكؤوس، وقد كان أبقراط (370-460 قبل الميلاد) أحد أهم الأطباء والذى لقب بأبو الأطباء، والذى مازال (قسم الطب) عائدًا إليه، واحد من ممارسي الحجامة، وقد نصح باستخدامها في علاج الكثير من الأمراض، وقد كتب (صامويل بيفيلد) عام 1839 قائلاً عن أبقراط ” لقد ترك لنا علامات مؤثرة عن أشكال واستعمالات الكؤوس، حيث أنه نصح بأن تكون الكووس صغيرة القطر ذات شكل كروى، وخفيفة الوزن، حتى لو كان المرض الذى سوف تعالجه عميقاً”.
ثم كان (جالن) وهو أحد أشهر الجراحين والأطباء اليونانيين القدماء، وقد أثرى الطب بأبحاثه في مجالات وظائف الأعضاء، وعلم الأمراض، والتشريح، وعلم الأدوية، والأعصاب؛ وقد كان واحدًا من مستخدمي الحجامة والعلاج بالكؤوس، بل أنه عاتب (ايراسيستراتس) وهو طبيب سكندري لعدم استخدامه الحجامة.
ويتحدث ايضاً المؤرخ اليوناني والطبيب المعروف (هيرودوت) باستفاضة عن العلاج بالحجامة في عمله والذي كتب في عام 413 قبل الميلاد العلاج بالحجامة الدامية يحتوي على قوة إفراغ الرأس من الأخلاط الغير مرغوب بها ويقلل الألم من نفس المكان ويقلل الالتهاب ويعيد الشهية ويقوى المعدة ويذهب الدوار.
الحجامة عند العرب
تعلم الإسكندريون الحجامة والبيزنطيون ثم علموها إلى الغرب والإيرانيين؛ وقد استخدم العرب الحجامة منذ القدم، ومنذ أن تعلموها من البيزنطيين والإسكندريين، وعندما أتى الإسلام فإن النبي محمد (صلي اللّٰه عليه وسلم) قد استخدمها في التداوي وأوصى بها قائلاً “إن خير ما تداويتم به الحجامة” صدق رسول الله (صلى الله عليه وسلم).
وكتاب (الطب النبوي) يعتبر واحدًا من أشهر الكتب في الطب الإسلامي، والذي ألفه ابن القيم الجوزية، وقد ذكر فيه الحجامة كممارسة طبية. وظلت الحجامة تنتقل كممارسة طبية بين الأطباء المسلمين، فها هو (محمد بن زكريا الرازي) (925-865م) وهو أحد أهم الأطباء والعلماء في التاريخ، وهو الذي فرق بين مرضى الحصبة ومرضى الجدري، وهو مشهور بلقب أبو طب الأطفال، وقد ذكر أهمية الحجامة في علاج العديد من الأمراض.
ثم أتى الطبيب المشهور (ابن سينا) (985-1037 م) وهو صاحب كتاب القانون في الطب، وقد كان هذا الكتاب هو المرجع الأساسي لجامعات أوروبية في تدريس الطب، منها جامعة مونبيلييه الفرنسية، ولوفيان واللذان ظلا يدرسانه حتى عام 1650م.
وكتاب القانون في الطب يؤكد أن الحجامة تستطيع علاج أكثر من ثلاثين مرضًا مختلفًا.
الحجامة في الغرب
ثم نتجه إلى الغرب حيث انتشرت الحجامة من خلال المصريين واليونانيين إلى العالم كله، وإلى الغرب تحديدًا حيث انتشرت في أوروبا وأمريكا.
وقد تم ممارستها بنجاح لعدد كبير من الأمراض في القرن الثامن عشر وما بعده، وقد تم نشر العديد من الأبحاث والتي أكدت فائدتها العلمية والطبية خلال القرن التاسع عشر، حتى أن أشهر الجرائد الطبية الموجودة في إنجلترا وهي جريدة (لانست) أو (الشفرة) قد سميت بهذا الإسم نسبةً الى الأداة المستخدمة في التشريط لإتمام عملية الحجامة، وقد كتب الطبيب والجراح المعروف (تشارلز كينيدي) في عام 1826م يقول “إن فن العلاج بالحجامة والكؤوس أصبح معروفًا جدًا وأن الفوائد الناتجة عنه قد تم اختبارها ومعرفتها” .
وهذا سير (آرثر كيث) (1866-1955 م) وهو طبيب أسكتلندي وزميل الكلية الملكية للجراحين بإنجلترا، كتب شاهدًا كيف أن الحجامة قد تمت أمامه وقد شاهد نتائج ممتازة لها.
تاريخ تقنيات الحجامة
ونترك تاريخ الحجامة بين الحضارات وبين الشرق والغرب والعرب لنعود إلى تاريخ تقنيات الحجامة نفسها فقد تطورت تطورًا كبيرًا خلال آلاف السنين التي تمت ممارستها خلالها‘ وقد كانت البداية باستخدام قرون الحيوانات في عمل الحجامة وقد سميت هذه الطريقة (طريقة العلاج باستخدام القرون) وقد كان القدماء يقومون باستخدام قرن أجوف يتم تجفيفه وبه فتحة أعلى القرن لعمل الشفط ويقومون بشفط الهواء بأفواههم ثم وضع قطعة شمع أو بعض الأعشاب لسد هذه الفتحة للإحتفاظ بالضغط السلبى داخل القرن بعدها تم استخدام كؤوس مصنوعة من (البامبو) وهى من الطرق التي ما زالت مستخدمة حتى الآن حيث يتم إشعال ورقة ووضعها داخل الكأس حتى يتم حرق الهواء داخل كأس البامبو ليتم عمل الحجامة وفى خلال القرن العشرين تم اكتشاف الكؤوس الزجاجية الحديثة والتي من شأنها تمكين الممارس للحجامة من رؤية ما يحدث داخل الكأس، وكما أنها مكنته من تلافي احتمالات حرق جلد المريض وكذا مكنت الممارس من إعادة تعقيم الكأس بطريقة سليمة، وبعدها تطورت طرق شفط الهواء من داخل الكأس مرة أخرى لتلافي أي احتمالات للمس النار لجلد المريض ففي الفترة ما بين عامي 1930 و 1940 م تطورت طريقة أخرى وهى عمل كأس بصمام أعلى الكأس وعمل آلة شفط يدوية تقوم بشفط الهواء بدون استعمال النار وفى عام 1940 م قامت العديد من الشركات الطبية بإنتاج وبيع هذه الأدوات وفى هذه الأثناء أيضًاً تم اختراع آلة تقوم بتشريط الجلد بطريقة سريعة يدوية مما تساعد على عمل الحجامة بسرعة أكبر، والآن أصبح هناك العديد من أنواع أدوات الحجامة والعديد من أنواع الكؤوس نفسها.
فقد أصبح هناك كؤوس مصنوعة من البلاستيك تستعمل مرة واحدة فقط وهناك الكؤوس ذات الرؤوس المغناطيسية والكؤوس المطاطية وهى متعددة الأشكال والاستخدامات وكؤوس السيراميك كما أصبح هناك كؤوس بلاستيكية ذات رؤوس مطاطية ذاتية الشفط وكؤوس أخرى ذاتية الشفط عن طريق وجود عجلة في أعلى الكأس كما تم اختراع جهاز كهربائي يقوم بتفريغ الكأس من الهواء واختراع أجهزة تصلح للعيادات تقوم بالسحب الإلكتروني للهواء وبها كاسات خاصة بها وتستعمل خاصة في مجال التدليك باستخدام الكؤوس (الحجامة المنزلقة)، وأصبح هناك أجهزة كبيرة الحجم والإمكانيات لاستخدامها في مجال الحجامة. كما تطورت أيضًاً مجموعات أدوات الحجامة حيث أنتجت الشركات مجموعة أدوات خاصة بالنساء كما انتجت مجموعة أدوات خاصة بالرجال لعلاج مشاكل الانتصاب وأنتجت مجموعة أدوت الحجامة الخاصة بالوجه ومجموعة أخرى تحتوي على العلاج بالأشعة أو بالتنشيط بالتيار الكهربائي إلى جانب كونها تعالج بالحجامة في نفس الوقت ومازال التطوير في هذا المجال مستمرًا.
مركز رائع وحجامه متميزه